مع انتشار ظاهرة الثورات في بعض البلدان العربية التي صنعها الشباب، وليست النخب السياسية أو النخب العسكرية أو الدينية كما في بعض الدول الأخرى سابقا، وإنما كان الصنيع من قبيل الشعب نفسه ــ أقول: مع انتشار ظاهرة الثورات صار من المهم على الوعي السياسي العربي أن يعيد مساءلة ذاته حيث إنها حوادث جديدة على الفكر العربي، إذ لم يسبق لها مثيل طيلة تاريخ العرب باستثناء ثورات الاستقلال العربي التي تختلف معطياتها عن الثورات الحديثة، فالتغيير في العالم العربي سابقا كان تغييرا من الأعلى إلى الأسفل، أي من قمة الهرم الاجتماعي السلطوي إلى القاعدة الجماهيرية سواء كان تغييرا تنويرا، أو كان تغييرا تقليديا، حتى كانت مقولة «المستبد العادل» التي أطلقها بعض مفكري القرن التاسع عشر: (جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده في العروة الوثقى والكواكبي في طبائع الاستبداد) هي الرائجة في وقتها رغم نقد الإصلاحيين المذكورين لمفهوم الاستبداد في الفكر العربي وانتصارهم للأمة والدولة المدنية، ولذلك يعتبر محمد عابد الجابري أن «فكرة «المستبد العادل» الثاوية وراء الخطاب السياسي العربي هي التي تمنع هذا الخطاب من الكلام في الديمقراطية بوصفها نظاما للحكم. أما ما يمنع نفس الخطاب من الكلام حول الديمقراطية بوصفها نظاما للمجتمع فهو أن الديمقراطية في مجتمع متعدد الأقليات كالمجتمع العربي تقتضي، ولا بد، نظام اللامركزية، والخطاب السياسي العربي لا يقبل شعار «اللامركزية» لأنه محكوم بإشكالية الخطاب القومي»، ويذهب الجابري في مسألة المركزية إلى أبعد من ذلك حيث إمكانية إخضاع «الإجماع القومي» إلى تلك السلطة المركزية بوصفها إخضاعا يعيد ذهنية «المستبد العادل» من خلال وصول الجماعة إلى إجماع يجعل من الديمقراطية العربية سياسية، وليست ديمقراطية اجتماعية. التي كانت الحرية أساسا كبيرا من أساستها الفلسفية والسياسية.
طبعا لا يمكننا هنا البحث حول كافة النظريات التي قيلت في صياغة مفهوم الحرية، سواء على المستوى الغربي، أو على المستوى العربي، لأنها خارج سؤال هذا المقال، وإنما يمكن القول: إن هذا الشعور بالحرية يكاد يكون متعاليا على التنظيرات الفكرية لها، فهو سابق عليها بحكم أسبقية الوجود على ماهية الإنسان كما هي وجودية سارتر؛ ومن هنا فإنني أقفز من التنظير للحرية إلى شعور الحرية الأول بوصفه الشعور الأكثر تحفيزا للجنس البشري في محاولة تغيير حياته إلى الأفضل. هذا الشعور ربما يكون هو «الطوبى» الفكرية والاجتماعية والسياسة لكل المجتمعات، وعت به وعيا فكريا أم شعرت به في بحثها عن التغيير، وهو شعور في غيابه غياب للوعي المتأصل منه، أي أنه إذا لم يكن هناك شعور بقيمة هذه الحرية، فإن سؤال التغيير يبقى غير واع لدى من يحاولونه، وربما يتم الالتفاف عليه في التنظيمات السياسية التالية، التي ربما تستغل هذا التغيير لمصالحها الخاصة، بل يمكن استغلال مفهوم الحرية ذاتها لقمع الحرية من أجل تحقيق غايات أخرى ليس من ضمنها حرية الأفراد.
يقلب ناصيف نصار هذه الرؤية إذ يعتبر أن الحرية ليست غاية في ذاتها، وإنما غاية لذاتها، أي أنها شرط للفعل، وهو يقصد هنا أن «ما ينكشف لنا من وراء الاستزادة من الحرية ليس الحرية بوصفها نهاية للفعل وغاية لذاتها، بل الحرية بوصفها بداية وشرطا أصليا للفعل».
وأيا يكن الأمر سواء بوصفها غاية، أم بوصفها شرطا للفعل لأنه لا فعل حرا إلا بالحرية، لذلك تصبح غاية في حد ذاتها، فإن الشعور بالحرية يسبق الوعي بها، أو بالفعل الذي تؤدي إيه، أي الوعي بالمفهوم الكلي للحرية، الشيء الذي يجعل منها الهدف الأسمى في تحرك النوع البشري، والتنظيمات الحديثة داخل مفهوم الدولة الحديثة، وتحديدا في مفهوم «الحرية الفردية» التي هي أساس العمل الديمقراطي خاصة في الإطار الليبرالي. التحرك الشعبي هو تحرك شعوري أكثر منه تحركا واعيا، وفي كلا الحالتين يقود ذلك إلى النتائج المطلوبة، لكن المشكلة فيما بعد التغيير ذاته، فهل يتأسس مفهوم للحرية واع أم تنقلب الأمور إلى سياقات اللاحرية؟... هنا يكمن الفرق في التحرك الشعوري، أو التحرك الواعي. القضية برمتها تدور في إطار الحرية، والعمل على إنتاج الحرية الذاتية لدى الفرد التي سوف تقود إلى الديمقراطية.
طبعا لا يمكننا هنا البحث حول كافة النظريات التي قيلت في صياغة مفهوم الحرية، سواء على المستوى الغربي، أو على المستوى العربي، لأنها خارج سؤال هذا المقال، وإنما يمكن القول: إن هذا الشعور بالحرية يكاد يكون متعاليا على التنظيرات الفكرية لها، فهو سابق عليها بحكم أسبقية الوجود على ماهية الإنسان كما هي وجودية سارتر؛ ومن هنا فإنني أقفز من التنظير للحرية إلى شعور الحرية الأول بوصفه الشعور الأكثر تحفيزا للجنس البشري في محاولة تغيير حياته إلى الأفضل. هذا الشعور ربما يكون هو «الطوبى» الفكرية والاجتماعية والسياسة لكل المجتمعات، وعت به وعيا فكريا أم شعرت به في بحثها عن التغيير، وهو شعور في غيابه غياب للوعي المتأصل منه، أي أنه إذا لم يكن هناك شعور بقيمة هذه الحرية، فإن سؤال التغيير يبقى غير واع لدى من يحاولونه، وربما يتم الالتفاف عليه في التنظيمات السياسية التالية، التي ربما تستغل هذا التغيير لمصالحها الخاصة، بل يمكن استغلال مفهوم الحرية ذاتها لقمع الحرية من أجل تحقيق غايات أخرى ليس من ضمنها حرية الأفراد.
يقلب ناصيف نصار هذه الرؤية إذ يعتبر أن الحرية ليست غاية في ذاتها، وإنما غاية لذاتها، أي أنها شرط للفعل، وهو يقصد هنا أن «ما ينكشف لنا من وراء الاستزادة من الحرية ليس الحرية بوصفها نهاية للفعل وغاية لذاتها، بل الحرية بوصفها بداية وشرطا أصليا للفعل».
وأيا يكن الأمر سواء بوصفها غاية، أم بوصفها شرطا للفعل لأنه لا فعل حرا إلا بالحرية، لذلك تصبح غاية في حد ذاتها، فإن الشعور بالحرية يسبق الوعي بها، أو بالفعل الذي تؤدي إيه، أي الوعي بالمفهوم الكلي للحرية، الشيء الذي يجعل منها الهدف الأسمى في تحرك النوع البشري، والتنظيمات الحديثة داخل مفهوم الدولة الحديثة، وتحديدا في مفهوم «الحرية الفردية» التي هي أساس العمل الديمقراطي خاصة في الإطار الليبرالي. التحرك الشعبي هو تحرك شعوري أكثر منه تحركا واعيا، وفي كلا الحالتين يقود ذلك إلى النتائج المطلوبة، لكن المشكلة فيما بعد التغيير ذاته، فهل يتأسس مفهوم للحرية واع أم تنقلب الأمور إلى سياقات اللاحرية؟... هنا يكمن الفرق في التحرك الشعوري، أو التحرك الواعي. القضية برمتها تدور في إطار الحرية، والعمل على إنتاج الحرية الذاتية لدى الفرد التي سوف تقود إلى الديمقراطية.